يأتي هذا التقرير في ظلّ محاولة العودة إلى استعمال القضاء كأداة للملاحقة، غير أنّ قاعات المحاكم أثبتت رفض أغلب القضاة لهذا التمشّي. وبالتوازي مع هذا الواقع عادت الاعتداءات الأمنية ضدّ الصحفيين سواء عبر المنع من العمل أو المضايقة، ووصل الأمر حد الاعتداء بالعنف الجسدي والمعنوي.
ويبدو أنّ هذا الأسلوب مردّه ثقافة سلطوية يضايقها كشف الواقع وترفض التعاطي والتجاوب مع نقد الصحافة المحلية والجهوية، وتحنّ إلى استغلال الإعلام لخدمة الأجندات السياسوية الضيقة، على حساب مشهد إعلامي تعدّدي.
كما تطوّر نسق التضييق والهرسلة وبلغ حدود العقوبات السالبة للحرية وعمليات الإيقاف غير المشروع لصحفيين محترفين، وهو ما يعكس منهجية واضحة تدفع في اتّجاه التضييق على الحريّات الصحفية في ظلّ واقع تشريعي يتمّ فيه الإعداد لمشاريع قوانين عملت السلطة التنفيذية عليها بصفة انفرادية ومسقطة، دون تشريك الهياكل المهنية، تنمّ عن رغبة في وضع مزيد القيود على حريّة التعبير والرأي والنشر والطباعة، في تناقض مع مقتضيات الدستور الجديد والالتزامات الدولية وفي تناقض مع مساعي نقابة الصحفيين لخلق مناخ آمن وحرّ للعمل الصحفي وهو ما من شأنه أن يساعد على تطوير المشهد الإعلامي نوعيا وهيكليا.
وتوسّعت رقعة الانتهاكات خلال شهر ماي 2017 في 6 ولايات وفي إطار انتهاكات تطال أفراد لا مجموعات تعكس محاولة للترويض من قبل السلط الجهوية في محاولة لهرسلة الصحفيين. وقد اتّخذت هذه المحاولات طابعا كيديا في كلّ من ولايتي توزر وزغوان يضاف إليها الاعتداءات التي حالت دون وصول الصحفيين في هذه الولايات إلى المعلومة في خطوة لضرب صحافة القرب داخل الولايات الداخلية وسياسة تعكس سوء فهم للقوانين والتشريعات الجاري بها العمل كما يتواصل العمل بأحكام المنشور عدد 4 رقم الاعلان عن ايقاف العمل به.
اعتداءات شهر ماي 2017
انخفضت وتيرة الاعتداءات على الحريّات الصحفية خلال شهر ماي من العام 2017 ووثّقت وحدة رصد الاعتداءات على الصحفيين بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين 17 اعتداء ضدّ 17 صحفيا ومؤسّسة إعلامية من بينهم 4 صحفيات و13 صحفيا يعملون في 2 قنوات تلفزية و5 إذاعات وصحيفة و6 مواقع الكترونية ومجلّة.
وكان شهر أفريل 2017 قد شهد 22 إعتداء على 41 صحافيا ومؤسسة إعلامية، في حين سجّل شهر مارس 2017 ، 20 إعتداء على 41 صحافيا ومؤسسة إعلاميّة.
وسجّلت الوحدة ارتفاعا خطيرا في الاعتداءات المباشرة من الأمنيين على الصحفيين خلال شهر ماي 2017 وبلغ عددها 9 اعتداءات، تنوّعت بين تتّبع عدلي وإيقاف ومنع من العمل ومضايقة واعتداء لفظي ومعنوي، وقد حافظ الموظّفون العموميون على نفس عدد الاعتداءات التي بلغت 3 خلال الشهر الحالي.
وكان للمعالجة القضائية حضورا خلال شهر ماي 2017 من خلال محاكمة سلام مليك مدير إذاعة “الجريد أف أم” والحكم ضدّه بعقوبة سالبة للحرية مع الإذن بالنفاذ العاجل بالسجن مع تأجيل التنفيذ في حقّ سلوى مليك مديرة البرمجة بنفس المؤسّسة.
كما كان نشطاء وصحفية وسياسيون مسؤولين على اعتداء وحيد لكل منهم على الحريات الصحفية.
الأمر اللاّفت خلال هذا الشهر تمثّل في ارتفاع حالات الاعتداءات المعنوية والمادية على الصحفيين لتصبح 5 بعد أن بلغت اعتداءين خلال شهر أفريل 2017. وقد شهدت حالات المنع من العمل تراجعا ملحوظا لتصبح 3 حالات بعد أن كانت 7 خلال شهر أفريل 2017 وتراجعت حالات المضايقات من 4 إلى 3 خلال هذا الشهر . وتواصل التتّبع العدلي للصحفيين كأداة للضغط عليهم وذلك في 4 مناسبات مقابل 5 تتّبعات خلال الشهر المنقضي. وسجّلت الوحدة خلال هذا الشهر حالة سجن وحالة ايقاف.
وقد كانت النسبة الأكبر من الاعتداءات على الصحفيين في تونس العاصمة التي شهدت 8 اعتداءات، ووقع تسجيل اعتداءين على الصحفيين في ولاية توزر واعتداءين في ولاية زغوان. كما وقع تسجيل 5 اعتداءات، بمعدّل اعتداء في كل من ولايات بن عروس وتطاوين والقيروان ومدنين
التوصيات :
إنّ النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وأمام ارتفاع نسق الاعتداءات التى ثبت مسؤولية السلطة التنفيذية عليها وفي ظلّ تواصل الاعتداءات على الصحافة المحلية والجهوية ما يعكس منحى تضييقي على النفاذ إلى المعلومة واستقاءها ونقلها ونشرها وتداولها خلال شهر ماي توصي بـ :
– وزارة الداخلية بتتّبع أعوانها المسؤولين عن تشكيل ملفّ التتبع القضائي لسلام مليك وسلوى بولاية توزر والذي لعبت فيه الضابطة العدلية دورا كبيرا في تشكيله وكانت فيه الخصم والحكم والتحقيق في أسبابه.
– رئاسة الحكومة إلى ضرورة مراجعة نظام الترخيص بالتصوير لوسائل الاعلام الأجنبية في اتّجاه تمديد أجال التجديد وإلزام وزارة الداخلية باحترام عمل الصحفيين الأجانب والتونسيين العاملين بمؤسسّات أجنبية في إطار احترام الحرية كمبدأ يخضع فقط للاستثناءات الواردة في المرسوم 115 فقط.
– المؤسسّات الإعلامية بتوفير كلّ آليات الحماية للصحفيين العاملين فيها من بطاقات داخلية وصدريات ومدّهم بتكاليف العمل في التظاهرات الكبرى كالمناسبات الرياضية والتصوير في الأماكن العامة لتفاديا لعمليات التضييق التي قد تطالهم من قبل السلطات الرسمية.
– مجلس نوّاب الشعب إلى تركيز هيئة النفاذ إلى المعلومة التي يتعثّر للشهر الثالث على التوالي انطلاق عملها وإلى مراقبة تقيّد الإدارة العمومية بمقتضيات القانون الأساسي المتعلّق بالنفاذ إلى المعلومة.